(ان الذين كفروا ) لما ذكر خاصة عباده وخلاصة اوليائه بصفاتهم التى اهلتهم للهدى والفلاح عقبهم باضدادهم العتاة المردة الذين لاينفع فيهم الهدى ولا تغنى عنهم الايات والنذر والكفر لغة ستر النعمه وفى الشرع انكارا ما علم بلضرورة مجئ الرسول به وانما عد لبس الغبار وشد الزنار ونحوهما كفرا لانها تدل على التكذيب فان من صدق الرسول صلى الله عليه وسلم لا يجترئ عليها ظاهرا لا لانها كفر فى انفسها ( سواء عليهم أأنذرتهم ام لم تنذرهم ) كأنه قيل ان الذين كفروا مستو عليهم انذارك وعدمه والانذار التخويف اريد به التخويف من عذاب الله ( لا يؤمنون ) والايه مما احتج به من جواز تكليف ما لايطاق فانه سبحانه وتعالى اخبر عنهم بأنهم لايؤمنون وامرهم بالايمان فلو امنوا انقلب خبره كذبا وشمل ايمانهم الايمان بانهم لايؤمنون فيجتمع الضدان والحق ان التكليف بلممتع لذاته وان جاز عقلا من حيث أن الاحكام لاتستدعى غرضا سيما الامتثال ولكنه غير واقع للاستقراء والاخبار بوقوع الشئ او عدمه لاينفى القدرة عليه بأخباره تعالى عما يفعله هو او العبد باختياره وفائدة الانذار بعد العلم بانه لاينحع الزام الحجه وحيازة الرسول فضل الابلاغ ولذلك قال سواء عليهم ولم يقل سواء عليك كما قال لعبدة الاصنام سواء عليكم ادعوتموهم ام انتم صامتون وفائدة التكليف بما لايطاق هو لو ان السلطان كلف شخصا لنقل جبل فان اخذ الفاس والمقطف علم انه منقاد راض بما كلف به وان لم ياخذ ذلك علم انه غير ممتثل وفائدة مثل هذا هو تعاطى الاسباب او الامتناع منه فانه تعاطى الاسباب واخذ الفاس والمقطف مثلا علم انه ممتثل وان لم يتعاطها علم انه عاصى . قاله الشيخ يوسف النابلسى شيخ رواق الحنابله ( ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى ابصارهم غشاوة ) لاختم ولا تغشيه على الحقيقه وانما المراد بهما ان يحدث فى نفوسهم هيئة تموتهم على استحباب الكفر والمعاصلى واستقباح الايمان والطاعات بسبب غيعم وانهما كهم فى التقليد واعراضهم النظر الصحيح فتجعل قلوبهم بحيث لاينفذ فيها الحق واسماعهم تعاف استماعه فتصير كانها مستوثق منها بلختم وابصارهم لاتجتلى الايات المنصوبه لهم فى الانفس والافاف كما تجتليها اعين المستبصرين فتصير كانها غطى عليها وحيل بينها وبين الابصار وسماه على الاستعاره ختما وتغشيه وقد عبر عن احداث هذه الهيئه بلطبع فى قوله تعالىأولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وابصارهم وبلاغفال فى قوله تعالى ولا تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا وبلاقساء فى قوله تعالى وجعلنا قلوبهم قاسية وهى من حيث ان الممكنات باسرها مستندة الى الله تعالى واقعه بقدرته استندت اليه ومن حيث انها مسببه مما أقتلرفوه بدليل قوله تعالى بل طبع الله عليها بكفرهم اى بسبب كفرهم وقوله تعالى ذلك بأنهم امنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم وردت الايه ناعيه عليهم شناعة صفتهم ووخامة عاقبتهم والابصار جمع بصر وهو أدراك العينوقد يطلق مجازا على القوة الباصرة وعلى العضو وكذا السمع ولعل المراد بهما فى الايه العضو لانه اشد مناسبه للختم والتغطيه وبلقلب ما هو محل العلم وقد يطلق ويراد به العقل والمعرفه كما قال تعالى ان فى ذلك لذكرى لمن كان له قلب يعنى عقل ( ولهم عذاب عظيم ) ......يتبع