( قالوا انا معكم ) أى فى الدين وألاعتقاد ( انما نحن مستهزؤن ) الاستهزاء بقولا الاستخفاف ( الله يستهزئ بهم ) يجازيهم على أستهزائهم اما فى الدنيا فبأجراء احكام المسلمين عليهم واستدراجهم بلاموال والزياده فى النعمه على التمادى فى الطغيان واما فى الاخرة فبان يفتح لهم وهم فى النار باب الى الجنه فيسرعون نحوه فاذل صاروا اليه سد عليهم الباب وذلك فى قوله تعالى فاليوم الذين امنوا من الكفار يضحكون ( ويمدهم فى طغيانهم يعمهون ) من مد الجيش وأممده اذا زاده وقواه والطغيان تجاوز الحد فى العتو والغلو فى الكفر والعمه فى البصيره كالعمى فى البصر وهو التحير فى الامر ( اولئك الذين اشتروا الضلاله بالهدى ) اختاروها عليه واستبدلوها به ( وما كانوا مهتدين ) لطرق التجاره فان المقصود منها سلامة راس المال والربح وهؤلاء قد اضاعوا الطلبين لان راس مالهم كان الفطره السليمه والعقل الصرف فلما أعتقدوا هذه الضلالات بطل استعدادهم وخسر عقلهم ولم يتبق لهم رأس مال يتوسلون به الى درك الحق ونيل الكمال فيفقوا خاسرين أيسين من الربح فاقدين للاصل ( مثلهم كمثل الذى استوقد نارا ) لما جاء بحقيقة حالهم عقبها بضرب المثل زيادة فى التوضيح والتقرير فأنه أوقع فى القلب وأقمع للخصم الاله والمثا فى الاصل يعنى النظر ثم أستعير لكل حال أو قصه أو صفه لها شأن وفيها غرابه مثل قوله تعالى مثل الجنه التى وعد بها المتقون وقوله تعالى ولله المثل ألاعلى وقد أكثر الله تعالى فى كتبه الامثال وفشت فى كلام الانبياء والحكماء والمعنى حالهم العجيبه الشأن كحال من أستوقد نار ( فلما أضاءت ما حوله ) أى النار حول المستوقد ( ذهب ألله بنورهم ) انما قال بنورهم ولم يقل بنارهم لانه المراد من أيقادها وأسناد الذهاب الى الله تعالى اما لان الكل يفعله أو لان الاطفاء حصل بسبب خفى أوأمر سماوى كريح أو مطر وما أخذه الله وامسكه فلا مرسل له ( وتركهم فى ظلمات لايبصرن ) وظلماتهم ظلمة الكفر وظلمة النفاق وظلمة يوم القيامه يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبايمانهم وألابه مثل ضربه ألله لمن أتاه ضربا من ألهدى فاضاعه ولم يتوصل به الى نعيم الابد فبقى متحيرا متحسرا ويدخل تحت عمومة هؤلاء المنافقون فأنهم أضاعوا ما نطقت به ألسنتهم من الحق باستبطان الكفر وأظهاره حين خلوا الى شياطينهم ومن أثر الضلاله على الهدى المجعول له بلفطره أو ارتد عن دينه بعد ما أمن ومن صح له أحوال الاراده فادعى أحوال المحبه فأذهب ألله عنه ما أشرق عليه من أنوار الارادة ( صم بكم عمى ) لما سدو مسامعهم عن الاصاغه الى الحق وأبوا أن ينطقوا به ألسنتهم ويبصروا ألايات بابصارهم جعلوا كأنما أيفت مشاعرهم وأتلفت قواهم كقوله صم اذا سمعوا خيرا ذكرت به وان ذكرت بسؤ عندهم اذنوا وكقوله اصم عن الشئ الذى لا أريده واسمع خلق ألله حين أريد والمعنى أنهم لما أوقدوا نارا فذهب ألله بنورهم وتركهم فى ظلمات هائله أدهشتهم بحيث أختلت حواسهم وانتقصت قواهم والصمم فقدان حاسة السمع والبكم الخرس والعمى عدم البصر عما من شأنه ان يبصر وقد يقال لعديم البصيرة ( فهم لايرجعون ) لايعودون الى الهدى الذى باعوه وضيعوه أوعن الضلاله التى أشتروها ( أو كصيب من السماء ) أى وكمثل ذوى صيب وأو فى ألاصل للتساوى فى ألشك ثم أتسع فيها فأطلقت للتساوى من غير شك مثل جالس الحسن أو ابن سيرين وقوله تعالى ولا تطع منهم أثما او كفورا فأنها تفيد التساوى فى جنس المجالسه ووجوب العصيان ومن ذلك قوله أو كصيب ومعناه أن قصة المنافقين مشبهه بهاتين القصتين وأنهما سواء فى صحة التشبيه بهما وانت مخير فى التمثيل بهما أو بايهما شئت والصيب من الصوب وهو النزول يقال للمطر وللسحاب وقيل المراد بالسماء السحاب فاللام لتعريف الماهيه ( فيه ظلمات ورعد وبرق ) ان أريد بلصيب المطر فظلماته ظلمة تكاثفه بتتابع القطر وظلمة غمامه مع ظلمةالليل وجعله مكانا للرعد والبرق لانهما فى أعلاه ومنحدره ملتبسين به وان أريد به السحاب فظلماته سحمته أى سواده وتطبيقه أى جعله طبقات مع ظلمة الليل والرعد صوت يسمع من السحاب والمشهور ان سببه اضطراب اجرام السحاب واصطكاكها اذا حدتها الريح من ألارتعاد والبرق ما يلمع من السحلب ( يجعلون أصابعهم فى أذانهم ) الضمير لاصحاب الصيب وانما اطلق الاصابع موضع الانامل للمبالغه ( من الصواعق ) اى من أجلها والصاعقه قصفه رعد هائل معها نار لاتمر بشئ الا أتت عليه من الصعق وهو شدة الصوت وقد تطلق على كل هائل مسموع أو مشاهد ويقال صعقته الصاعقه اذا اهلكته بالاحراق أو شدة الصوت ( حذر الموت وألله محيط بالكافرين ) لايفوتونه كما لايفوت المحاط به المحيط لايخلصهم الخداع والحيل ( يكاد البرق يخطف أبصارهم ) أستئناف ثان كانه جواب لمن يقول ما حالهم مع تلك الصواعق والخطف الاخذ بسرعه ( كلما أضاء لهم مشوا فيه واذا أظلم عليهم قاموا) استئناف ثالث كانه قيل ما يفعلون فى تارئى خفوق البرق وخفيته فاجيب ذلك لانهم حراص على المشى فكلما صادفوا منهم فرصه أنتهزوها ومعنى قاموا وقفوا ومنه قامت السوق أذا ركدت وقام الماء أذا جمد ( ولو شاء ألله لذهب بسمعهم وأبصارهم ) اى لو شاء ألله ان يذهب بسمعهم بقصف ألرعد وأبصارهم بوميض البرق لذهب بهما وفيه التنبيه على أن تأثير الاسباب فى مسبباتها مشروط بمشيئة الله تعالى وأن وجودها مرتبط باسبابها واقع بقدرته ( أن ألله على كل شئ قدير ) ........يتبع