قلنا فيما سبق ان ابراهيم عليه السلام عندما سأل الله سبحانه وتعالى ان يريه كيف يحيى الموتى وعاتبه الله بقوله * أولم تؤمن * مع علمه بأيمانه واجاب ابراهيم فأذداد ايمانا ( ولكن ليطمئن قلبى ) أى ليسكن قلبى الى المعاينة والمشاهدة أراد ان يصير له بعد علم اليقين عين اليقين , قالت العلماء أن فى عين اليقين طمأنينة ليست فى علم اليقين . فان العيان يفيد فى المعرفة والطمأنينة وهو ما لا يفيده الاستدلال . وقيل سبب سؤاله انه لما قال له نمروذ أنا احيى وأميت قال له ان احياء الله برد الروح الى بدنها فقال نمروذ هل عاينته فلم يقدر ان يقول نعم وانتقل الى تقرير أخر ثم سأل ربه ان يريه ليطمئن قلبه فى الجواب ان سئل هذا السؤال مرة اخرى ( قال ) تعالى ( فخذ اربعة من الطير فصرهن ) أى فأمسكهن واضممهن ( اليك ) وقطعهن واخلط لحمهن وريشهن * فأن قيل* ما معنى أمره بضم الطير الى نفسه بعد أن يأخذها * اجيب * ليتأملها ويعرف أشكالها وهيأتها لئلا تلبس عليه بعد الاحياء ولا يتوهم أنها غير تلك التى كانت معه ( ثم اجعل على كل جبل ) من جبال ارضك ( منهن جزأ ثم أذعهن ) قل لهن تعالين بأذن الله ( يأتينك سعيا ) سريعا ( وأعلم ان الله عزيز ) لايعجزه شئ ( حكيم ) فى صنعه فاخذ طاوسا ونسرا وغرابا وديكا وفعل بهن ما ذكر وأمسك رؤسهن عنده ثم دعاهن فتطايرت الاجزاء الى بعضها حتى تكاملت ثم اقبلت الى رؤسها ( مثل الذين ينفقون ) اى يبذلون ( أموالهم ) بطيب نفس ( فى سبيل الله ) والمعنى مثل نفقتهم فى طاعة الله عز وجل ( كمثل حبة ) أى كمثل زارع حبة ( أنبتت سبع سنابل فى كل سنبلة مئة حبة ) والمنبت هو الله سبحانه وتعالى ولكن الحبة لما كانت سببا أسند اليها الانبات كما يسند الى الارض والى الماء ومعنى انباتها سبع سنابل ان يخرج منها ساق يتشعب منه سبع شعب لكل واحدة سنبلة وهذا التمثيل تصوير الاضعاف كأنها مصورة بين عينى الناظر * فأن قيل * كيف صح هذا التمثيل ولم نر سنبلة فيها مائة حبة * فنجيب * بان ذلك موجود فى الذرة والدخن وغيرهما وعلى تقدير عدم وجوده هو غير مستحيل وما لايكون مستحيلا يجوز ضرب المثل به ( والله يضاعف لمن يشاء ) بفضله تلك المضاعفة أو يضاعف على هذا ويزيد لمن شاء مابين سبعين الى سبعمائة الى ما شاء من الاضعاف مما لايعلمه الا الله على حسب حال المنفق من اخلاصه وتعبه ومن اجل ذلك تتفاوت الاعمال فى مقادير الثواب ( والله واسع ) أى غنى يعطى عن سعة ( عليم ) بنية المنفق وبمن يستحق المضاعفة ( ألذين ينفقون أموالهم فى سبيل الله ) صدق الله العظيم .......يتبع بأذن الله تعالى