والمعنى انه لايعلم تفسيره الذى يجب ان يحمل عليه الا الذين ثبتوا وتمكنوا فيه وسئل مالك ابن انس عن الراسخين فى العلم فقال العالم العامل بما علم المتبع . وقال غيره هو من وجد فى علمه أربعة اشياء التقوى بينه وبين الله تعالى والتواضع بينه وبين الخلق والزهد بينه وبين الدنيا والمجاهدة بينه وبين نفسه وقد اختلف العلماء فى نظم هذه الاية فقال قوم الواو فى قوله والراسخون واو العطف أى ان تأويل المتشابه يعلمه الله ويعلمه الراسخون فى العلم كما فى قوله تعالى فى هذه الاية ( وما يعلم تأويله الا الله والراسخون فى العلم ) فهم ما علمهم ( يقولون امنا به ) وهذا قول مجاهد والربيع وعلى هذا يكون قوله تعالى ( يقولون ) حالا معناه والراسخون فى العلم قائلين امنا به وذهب الاكثرون الى ان الواو فى قوله ( والراسخون ) فالواو هى واو الاستئناف وتم الكلام عند قوله وما يعلم تأويله الا الله وهو قول أبى بن كعب وعائشة وغيرهما وقالوا لايعلم تأويل الايات المتشبهات الا الله كما فى قوله تعالى ( هو الذى انزل عليك الكتاب منه ايات محكمات ) وهى التى احكمت عباراتها بحيث انها حفظت عن الاحتمال والاشتباه فهى واضحات الدلاله ( واخر متشبهات ) وهى التى لاتفهم معانيها كاوائل السور وهنا كان الامتحان ليتميز بين الثابت على الحق والمتزلزل فيه وليظهر فيها فضل العلماء ويزداد حرصهم على ان يجتهدوا فى تدبرها وتحصيل العلوم المتوقف عليها استنباط المراد بها وباتعاب القرائح فى استخراج معانيها والتوفيق بينها وبين الايات المحكمات ولكن كما قلنا من قبل ان الاكثرون اجتمعوا على قوله تعالى ( وما يعلم تأويله الا الله ) اى لايعلم تاويل المتشابه الا الله وعليه فانه يجوز ان يكون للقرأن تأويل استأثر الله بعلمه ولم يطلع عليه احدا من خلقه كما أستأثر بعلم الساعة ووقت طلوع الشمس من مغربها وخروج الدجال وعدد الزبانية ونزول عيسى عليه السلام ونحوها كاصل القدر فيقول الشيخ الشرنبلالى عن علم القدر انه سر الله فى خلقه لم يطلع عليه ملك مقرب ولا نبى مرسل والنظر والتعمق فى ذلك ذريعة الخزلان وسلم الحرمان فالحذر كل الحذر من ذلك نظرا وفكرا ووسوسة فان الله سبحانه وتعالى طوى علم القدر عن انامه ونهاهم عن مرامه كما قال تعالى ( لايسئل عما يفعل وهم يسئلون ) فمن سئل لما فعل فقد رد حكم الكتاب وكفر وهذا ما يحتاج اليه من هو منور قلبه من أولياء الله تعالى وهو درجة الراسخين فى العلم لان العلم علمان علم فى الخلق موجود وعلم فى الخلق مقصود فأنكار العلم الموجود كفر وادعاء العلم المقصود كفر ولا يصح الايمان الا بقبول العلم الموجود وترك طلب العلم المقصود والله تعالى أعلم .........يتبع بأذن الله تعالى