رحمة الامة فى اختلاف الائمة ( 3 )

ذكرنا فيما سبق رأى ائمة المذاهب الاربعة فيما ذكر فى مسألة الطهارة وامتثالا لمبدأ ان اختلاف الائمة فيه رحمة للامه فنجد ان كل يتبع ما صح دليله عنده وكل على هدى وكل يريد الله وذلك لانهم بنوا قواعد مذاهبهم على الحقيقة التى هى أعلى مرتبتى الشريعة فلا يخرج شئ من اقوالهم عن الشريعة وهم علماء بالحقيقة والشريعة معا وقد كانوا أهل انصاف واهل كشف فأقوالهم كانت من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة فكل من نور الله تعالى قلبه وجد مذاهب الائمة والمجتهدين وأتباعهم كلها تتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بجبريل ثم بحضرة الله عز وجل فتأمل ذلك فانه نفيس ولهذا نود ان نورد بيان ما ورد فى ذم الراى عن الشارع وعن أصحابه والتابعين له بأحسان الى يوم الدين * روى فى الصحيح ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عليكم بسنتى وسنة الخلفاء من بعدى عذوا عليها بالنواجذ واياكم ومحدثات الامور فأن كل محدث بدعة وكل بدعة ضلالة وكان صلى الله عليه وسلم يقول كل عمل ليس عليه امرنا فهو رد وروى البخارى عن ابن مسعود أوائل كتاب الفرائض من صحيحه انه قال تعلموا العلم قبل الظانين أى الذين يتكلمون فى دين الله بالظن والرأى فانظر كيف نفى عبد الله بن مسعود العلم عن المتكلمين فى دين الله بالرأى وروى الترمذى باسناد حسن ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابى هريرة ان أردت ان لا توقف على الصراط طرفة عين فلا تحدث بدين الله شيئا برأيك وكان عبد الله بن عباس ومجاهد وعطاء وغيرهم يخافون من دخول الرأى فى أقوالهم أشد الخوف وروى البهيقى عن مجاهد وعطاء انهما كانا يقولان ما من احد ألا ومأخوذ من كلامه ومردود عليه الا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك كان انس ابن مالك . وكان عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه يقول سيأتى قوم يجادلونكم بشبهات القرأن فخذوهم بالسنن فان اصحاب السنن أعلم بكتاب الله عز وجل واكمل واتباعهم فانهم هم الذين يفهمون ماتضمنته السنن من الاحكام وروى ان الامام احمد بن ابى اسحاق وجد قائلا فى مجلسه يقول الى متى حديث أشتغلوا بالعلم فقال له الامام احمد قم ياكافر لا تدخل علينا انت بعد اليوم ثم التفت الى اصحابه وقال ماقلت ابدا لاحد لا تدخل دارى غير هذا الفاسق وقيل ان مغنينا كان يغنى للخليفة فقيل له ان مالك بن أنس يقول بتحريم الغناء فقال المغنى وهل لمالك وامثاله أن يحرم فى دين ابن عبد المطلب والله ياأمير المؤمنين ما كان التحريم لرسول الله صلى الله عليه وسلم الا بوحى من ربه عز وجل وقد قال تعالى لتحكم بين الناس بما أراك الله ولم يقل بما رأيت يامحمد فلو كان الدين بالراى لكان راى رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحتاج الى وحى وكان الحق تعالى امره أن يعمل به بل عاتبه الله تعالى حين حرم على نفسه ما حرم فى قصة مارية وقال تعالى يأيها النبى لم تحرم ماأحل الله لك . وكان الامام جعفر الصادق رحمة الله تعالى عليه يقول من اعظم الفتن تكون على الامة قوم يقيسون فى الامور برأيهم فيحرمون ما احل الله ويحلون ما حرم الله وكان وكيع رحمة الله تعالى عليه يقول عليكم باتباع الائمة المجتهدين والمحدثين فانهم يكتبون ما لهم وما عليهم بخلاف أهل الاهواء والراى فانهم لا يكتبون قط ما عليهم فأذا قيل ان المجتهدين قد صرحوا بأحكام فى أشياء لم تصرح الشريعة بتحريمها أو بوجوبها فلا يمكن علينا انكار ذلك لآنهم لولا علموا من قرائن الادلة بتحريمها او بوجوبها ما قالوا بها . كتبنا هذا الكلام لتوضيح الراى فى مسألة ذكرت لى من قبل عن اختلاف الائمة ندعوا الله ان نكون قد أصبنا فى الراى ونتبع ما سبق كتابته فى رحمة الامة فى اختلاف الائمة باذن الله تعالى فيما هو قادم انشألله على ان يتخلله منشورات فى امور اخرى جزانا الله وايكم الاجر والثواب وتقبل منا ومنكم صالح الاعمال والله من وراء القصد انتهى .

المشاركات الشائعة