( قال بعض الصالحين ) رأيت غلاما قد أفترش الرماد وهو يتمرغ عليه ويئن انينا شديدا فقلت لصاحبى اعدل بنا الى هذا العليل نعوده فقال ليس هذ عليلا ولكنه يدعى بعبيد المجنون قال فتقدمت اليه وناديت عليه ياعبيد فلم يجبنى ولكنه بداء يردد ويقول سيدى عجبا لمن وصل الى معلرفتك وذاق حلاوة محبتك فكيف ينقطع عن خدمتك ثم لم يزل يردد ذلك القول حتى غشى عليه فلما افاق من غشيته نظر الينا وقال ما بالكم تنظرون الى قلنا لعل دواء يشفى من الداء الذى تجده فقال ان الذى ابتلى بالداء عنده الدواء ولكن يطلب الذى يتدواى ان يحتمى اولا فقلت بماذا قال بترك الحرام وعدم التعرض للاثام ومراقبة الملك العلام والتهجد بالليل والناس نيام وأخذ القليل من البلغة فى حالى السخط والصبر على البلا والرضا والتعفف والقناعة عند وجدات الاستطاعة والاستعداد للموت واعداد الجواب لاسئلة منكر ونكير والوقوف بين يدى الملك الجليل القدير ثم اما الى الجنة واما الى السعير ثم بكى حتى علا بكاؤه فقلنا له نحن أضيافك فأدع لنا فقال جعل الله قراكم الجنة وجعل ذكر الموت منى ومنكم على بال قال فانصرفنا عنه وقد عاشت قلوبنا من حسن لفظه وموعظته وارتاحت النفوس لعذب كلامه وقلت لصاحبى اذا كانت هذه احوال المجانين فأين عقولنا نحن المساكين .
( قيل ) جلس عبد الله بن مشرف وزير هرون الرشيد بين يديه فقال ياأمير المؤمنين لو أستغاث بك رجل فى رد عبد له هرب اليك أما كنت ترده اليه قال بلى قال فأنا عبد قد فررت الى خدمة سيدى فاتركنى له فقد أردت الرجوع اليه فبكى الرشيد وقال هذا رجل قد نجا من بيننا ونحن جلوس ننظر اليه ثم خلى سبيله فخرج من وقته محرما يقول لبيك اللهم لبيك فلقيه سفيان الثورى فى بعض الطريق وهو نائم على الارض والريح ترفع التراب على وجهه فسلم عليه وقال ياعبد الله ما الذى عوضك الله به عما تركت فقال ياسفيان عوضنى الرضا بما انا فيه فلما بلغ شيوخ الحرم قدومه خرجو للسلام عليه فرأوه واشعثه وجهده فقالوا له كيف رأيت جهدك وصبرك على قطع المغاور فقال وكيف يأتى العبد المجرم اذا قاد نفسه الى باب مولاه لو قدرت جئت أسعى على رأسى ثم اخذ فى البكاء فقيل له وما هذا البكاء فقال شفيع قدمته لعله يقبل فلما رفع بصره على البيت شهق شهقة ومات رحمه الله تعالى ...........يتبع بأذن الله تعالى