( قال محمد بن السماك رحمة الله عليه ) ذهبت الى جبال الشام فوجد رجل يتعبد فقلت له ما الذى اتى بك الى هنا فقال أجتهد فى الخلاص والفكاك قبل الهلاك فلما سمعت كلماته دمعت عيناى وعزمت على الانصراف فقلت له هل لك حاجة اقضيها لك قال من جلس فى هذا المكان لم يبق له حاجة الى انسان ثم قال ياابن السماك هل لك انت من حاجة فقلت له سألتك بالله الا ما أخبرتنى ما الذى تحب من الدنيا والاخرة فبكى وقال والله لولا اقسمت على ما أخبرتك فاما الذى احبه من الدنيا فقوة على الطاعة وزهد وقناعة ونفس بعيدة عن الهوى وقلب حشوه الخوف والجوى وأما الذى احبه من الاخرة فسماعى من سيدى اذهب فقد غفرت لك ثم غيب عنى وذهب وتركنى اتفكر فى معانى االكلام .
( قال منصور بن عمار رضى الله عنه ) وكان واعظ العراق بينما انا فى بعض الليالى نائم أذ رأيت بابا فى السماء مفتوحا وقد نزل منه ملك كثير الانوار فقال لى يابن عمار يسلم عليك الملك الجبار خالق الليل والنهار ويقول لك انصب غدا منبرك فى الحان وتكلم بعزم وجنان فلنا فى ذلك سر ونبا ونشهدك من اياتنا عجبا قال ابن عمار فاستيقظت من منامى وأنا فزع لا أجيب وقلت ان هذا الشئ عجيب هذا امر ماأظنه يكون فانا لله وانا اليه راجعون كيف تورد الاحاديث الصحاح على غير أهل الصلاح وكيف يتلى القران بين الدنان والاقداح أم كيف تحلى عرائس الاذكار والايات على أهل الخمور فى الحانات فأعدت الوضؤ وصليت ركعتين ثم نمت واذا بالملك قد عاد وقال يامنصور ما جئتك الا بأمر الملك الغفور وهو يقول لك قم وتكلم فى الحان وعلينا الضمان فاستيقظت من منامى وانا من هذا الامر اتعجب وأتفكر وقلت اريد حمال المنبر فاذا به قد حضر وطرق الباب فقلت من فقال ياسيدى انا حمال المنبر تريد ان أنصب لك المنبر فى وسط الحان ام بين الدنان فقلت ومن كشف لك عن هذا السر المصون قال الذى يقول للشئ كن فيكون اعلم ياسيدى ان الملك الذى جاء اليك البارحة جاء الى بعدك وقلدنى الامانة وأمرنى أن أنصب لك المنبر فى الحانة قلت حبيبى ان كان الامر كما تقول فافعل ما امرك به الرسول فلما أسفر الصباح سارعت الى امتثال الاوامر فاذا شيوخ الحان قد عقدوا الدساكر فصعدت منبرى بين جلاسى وقلت الحمد لله الذى جذب قلوب احبابه الى حضرة اقترابه وادخلهم الى حانة وصله وسقاهم شراب عنابه وشغلهم به عمن سواه والمحب لايشغل بغير احبابه فيا أيها السكارى بخمر الهوى لو دخلتم حانة الحب وعاينتم دنان القرب لرأيتم رجال الوقار فى حضرة الملك الغفار واقداح الافراح عليهم تدار فأقداحهم افراحهم وخمارهم اذكارهم وريحانهم قرأنهم ومزمارهم استغفارهم فاذا جن الليل وغابت الرقباء والاغيار تجلى عليهم الملك الجبار وكشف لهم الاستار فشاهدوا جمالا لا تكيفه العقول ولا تمثله الافكار فتاملوا ياولى الالباب كم بين القشور واللباب واعلموا ان محرك أغصان القلوب الجامع بين يوسف ويعقوب ماأمرنى بالجلوس فى هذا المكان الا وقد عفا عما كان من الذنوب والعصيان وقبل المطرود والعانى فالمحبوب قد حضر وبعين الرضا اليكم قد نظر وقد انتهت اليكم النوبة فهل فيكم من يعزم على التوبة فقد دارت كؤس المصالحة وهبت نسائم المسامحة . قال ابن عمار فما استكملت كلامى الا وشاب قد وقف امامى وهو سكران وفى يده قدح بالخمر ملآن وقال ياأبن عمار ترى الملك المتعال يقبلنى وانا على هذا الحال فقلت له ياحبيبى كيف لا يقبلك بأفضاله وأسعاده وقد قال تعالى وهو الذى يقبل التوبه عن عباده قال فرمى القدح من يده وخرج هائما واستيقظ من غفلته بعد ان كان نائما ثم قام الى شيخ مخمور وبيده طنبور وقال يابن عمار هل يقبل الاعتذار لمن ضيع عمره فى المعاصى فقلت له كيف لايقبل الاعتذار وقد قال تعالى وانى لغفار فأبشر من التوبه بالنجاح فلما سمع كلامى رمى الطنبور وخرج هائما ثم قام الى غلام وقال يا منصور ان الملك الغفور قد أمرك ان تأخذ على العهود قد انجزت الوعود وان أوان حصول المطلوب والمقصود فقلت له ياغلام من أوصلك الى هذا المقام فقال انا الذى خوطبت من اجله فى المنام ثم قال يا منصور من هبت عليه نسمات الملاطفة لم يعجز عن حصول المكاشفة قلت ومتى هبت عليك هذه النسائم قال البارحة وانت نائم ثم قال يا منصور انا ذاهب الى حضرة الملك الغفور فأن احببت ان ترانى فهناك غدا تلقانى ثم خطى فى الهواء خطوات حتى غاب عن عيانى فجعلت ارمقه بانسانى . تم .........يتبع بأذن الله تعالى