قيل انه فى يوم صعد ابن عمار الواعظ منبره بالعراق فأخذ فى الوعظ والتخويف والزجر والتعنيف حتى كادت النفوس تهيم قلقا وتموت فرقا وكان فى المجلس شاب مسرف على نفسه خائف من حلول رمسه فأنصرف وقد أثرت المواعظ فى قلبه وندم على ما كان من ذنبه وأتى الى أمه فقال لها يااماه دونك وما تريدين من كسر لهو الشيطان وما كنت أعددت لمعصية الرحمن واخبرها بحضوره مجلس ابن عمار وما حصل له من الندم على الذنوب والاوزار فقالت ياولدى الحمد لله الذى ردك اليه ردا جميلا وأنقذك من ذنوب كنت بها عليلا وأنى لا ارجو أن يكون الله تعالى قد رحمك ببكائى عليك وقبلك وأحسن اليك . ثم أقبل الفتى على صيام النهار وقيام الليل حتى نحل جسمه وذاب لحمه ودق عظمه واصفر لونه فأتته أمه بقدح فيه سويق وقالت له أقسمت عليك يابنى بالله الا ما شربته فقد أجهدت نفسك فلما صار ألقدح فى يده جعل يبكى ويضطرب ويذكر قوله تعالى ( يتجرعه ) ولا يكاد يسيغه ثم صرخ صرخة عظيمة وخر ميتا هذا والله مقام الخوف يا من ضيع زمانه فى لعل وعسى وسوف . فيا أرباب المعاملة فى ظلام الليل سبحان من أقامكم وأقعدنا يا معشر التأبين سبحان من قربكم وأبعدنا ان نحن الا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده .
قال ذو النون المصرى رحمة الله عليه ضاق صدرى فى بعض الايام فخرجت أتمشى على شط النهر فمر بخاطرى العبور الى ذلك الجانب فركبت مركب وجعلت رأسى بين ركبتى فلم أرفعها حتى توسطت النهر فلما رفعت رأسى رأيت عن يمينى جارية ذات حسن وجمال وفى حجرها عود وبين يديها خمر وعن يمينها شاب حسن الشباب نقى الاثواب فقلت فى نفسى يا نفس بعد عبادة سبعين سنة وقعت فى هذه السفينة بين قوم خمارين يعصون الله بالاجهار فالتفتت الى الجارية وقالت لى ياشيخ تشرب شيأ فقلت ان سقانى مولاى شيأ شربت فأشارت الجارية الى الغلام ان املآ له الكأس واسقه فملآ الكأس وأعطانى فلما حصل الكأس فى يدى لحقنى وجد فقالت الجارية يا شيخ لم لا تشرب من شرابنا اتريد ان أغنى لك حتى تشرب أو تغنى أنت لنا حتى نشرب فقلت بل أغنى لكم حتى تشربوا فقالت غنى لنا حتى نسمع غناؤك فقلت : أحسن من قينة ومزمار * فى ظلمة الليل نغمة القارى * يا حسنه والجليل يسمعه * بحسن صوت ودمعه جارى * وخده فى التراب عفره * وقلبه فى محبة البارى * يقول ياسيدى وياأملى * أشغلنى عنك ثقل اوزارى * أغفر ذنوبى لانها عظمت * ولم تزل ياجليل غفارى * ذاك غدا فى الجنان مسكنه * بدار قدس بقرب جبار* يسكن مع زوجه تشاكله * ياحسن مختارة لمختار . فلما سمعت الجارية ذلك خرت مغشيا عليها فلما أفاقت خلعت ما كان عليها من الديباج وكسرت العود ورمت بالخمر الى البحر وقالت ياشيخ اذا تبت اليه يقبلنى قلت نعم هكذا قال فى محكم الايات وهو الذى يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات فكشفت رأسها وقبلت يدى وقالت يا سيدى انت كنت السبب فى المصالحة فأساله لى فيما مضى العفو والمسامحة قال ذو النون المصرى ثم نزلنا من السفينة وتفرقنا فلن أرها بعد ذلك فلما كان فى بعض السنين حجيت الى بيت الله الحرام فبينما انا اطوف بالبيت واذا انا بجارية شعثاء وهى متعلقة بأستار الكعبة تبكى وتتضرع وتقول ألهى بسكرى البارحة وبخمارى الا ما غفرت اليوم اوزارى فقلت مه ياجارية فى مثل هذا المقام تقولين هذا الكلام فقالت اليك عنى ياذا النون لما بت البارحة بكأس الهوى مسرورة أصبحت اليوم بحب مولاى مخمورة فقلت لها من أخبرك أنى ذو النون فقالت ياشيخ انا الجارية التى تبت على يديك فى النهر فقلت واين ذلك الحسن والجمال فقالت ذهبت لذة الصبا فى المعاصى وبقى بعد ذاك أخذ النواصى غير ظنى بالله وهو جميل فيه أخلصت غاية الاخلاص . ثم قالت ياذو النون قف مكانك حتى اعود فغابت لحظة ثم أقبلت ومعها طبق عليه رطب وتين وعنب فى غير أوانه فوضعته بين يدى فاختلج فى قلبى انى بعد عبادة سبعين سنة لم أصل الى ما وصلت اليه هذه الجارية فقالت ياشيخ لما تبت اليه واعترفت بين يديه رزقنى صدق التوكل عليه . قال ذو النون ثم ألتفت فلم أراها هذه والله صفات التأبين وهذه علامات المقربين ........يتبع باذن الله تعالى