وقال عتيق بن يعقوب الزبيرى رحمة الله عليه قدم هرون الرشيد المدينة وكان قد بلغه ان مالك بن أنس عنده الموطأ يقرؤه على الناس فوجه اليه البرمكى فقال له أقرئه السلام وقل له يحمل الى الكتاب فيقرؤه على فأتاه البرمكى فقال له أقرئه السلام وقل له ان العلم يزار ولا يزور وان العلم يؤتى ولا يأتى فاتاه البرمكى فاخبره وكان عنده أبو يوسف القاضى فقال ياامير المؤمنين يبلغ اهل العراق أنك وجهت الى مالك بن أنس فى أمر فخالفك أعزم عليه فبينما هم كذلك أذ دخل مالك بن أنس فسلم وجلس فقال له الرشيد ياابن أبى عامر أبعث أليك فتخالفنى فقال مالك ياأمير المؤمنين أخبرنى الزهرى عن خارجه بن زيد بن ثابت عن أبيه قال كنت أكتب ألوحى بين يدى النبى صلى الله عليه وسلم فكتبت لا يستوى القاعدون من المؤمنين والمجاهدون وكان ابن أم مكتوم عند النبى صلى الله عليه وسلم فقال يارسول الله أنى رجل ضرير وقد أنزل الله تعالى فى فضل الجهاد ما قد علمت فقال النبى صلى الله عليه وسلم لا أدرى وقلمى رطب ما جف حتى ثقل فخذه على ثم اغمى على النبى صلى الله عليه وسلم وبعدها جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يازيد اكتب غير اولى الضررر يا أمير المؤمنين حرف واحد تعب فيه جبريل والملائكه من مسيرة خمسة ألاف عام الا ينبغى لى أن اعزه وأجله وان الله تعالى رفعك وجعلك فى هذا الموضع فلا تكن انت اول من يضع عزا لعلم فيضع الله عزك قال فقام الرشيد فمشى مع مالك الى منزله ليسمع منه الموطأ واجلسه معه على المنصة فلما اراد ان يقرأه على مالك قال لمالك تقرؤه على قال ياأمير المؤمنين ما قراته على احد منذ زمان قال الرشيد فيخرج الناس حتى أقرأه أنا عليك فقال أن العلم اذا منع من العامة لاجل الخاصة لم ينفع الله به الخاصة فأمر أن يقرأه معن بن عيسى القزاز عليه فلما بدأ بالقرأة قال مالك رضى الله عنه لهرون الرشيد ياأمير المؤمنين أدركت أهل العلم ببلدنا وأنهم ليحبون التواضع للعلم فنزل هرون الرشيد عن المنصة فجلس بين يديه. وسئل مالك رضى الله عنه عن طلب العلم فقال أحب ان اعظم حديث رسول الله فقال حسن جميل ولكن ولكن انظر الذى يلزمك من حين تصبح الى حين تمسى فالزمه . وكان رحمه الله فى تعظيم علم الدين مبالغا حتى أذا اراد ان يحدث توضأ وصلى ركعتين وجلس على صدر فراشه وسرح لحيته واستعمل الطيب وتمكن فى الجلوس على وقار وهيبة ثم حدث فقيل له فى ذلك فقال أحب ان أعظم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا يكون تعظيم العلم فالعلماء اذا عظموا العلم عظمهم الله عند الناس وجعل لهم ألهيبة والوقار فى قلوب الملوك ومن دونهم . فيا ايها الطالب للعلم تواضع له فمن تواضع له تواضع لله ومن تواضع لله رفعه الله فان التراب لما ذل لاخمص القدمين صار طهورا للوجه كما قال تعالى فامسحوا بوجوهكم . فديموا على الغلم فالطفل يحتاج كل ساعة الى الرضاع فاذا صار رجلا صبر على الفطام وأعلم ان طريق الفضائل مشحونة بالبلاء ليرجع عنها مخنث ألعزم ....يستكمل بمشيئة الله تعالى