وكان لرصى الله عنه لا يكلمه أحد فى حاجة ألا قضاها واما ورعه عما دخله الشبه فعن حفص بن عبد الرحمن وكان شريك أبى حنيفة ان أبا حنيفة كان يتجر عليه ويبعث اليه بمتاع ويقول له فى ثوب كذا عيب فبين اذا بعته فباع حفص المتاع ولم يبين ونسى فلما علم أبو حنيفة ذلك تصدق بثمن الثياب كلها ومن ورعه رضى الله عنه ان شاه سرقت فى عهده فلم يأكل لحم شاه مدة تعيش الشاه فيها . وروى ان الخليفة بعث الى أبى حنيفة وابن أبى ذئب بمال فقال ابن أبى ذئب انى لا أرضى له بهذا المال فكيف أرضاه لنفسى وقال ابو حنيفة لو ضربت على ان أمس منه درهما ما مسته وروى ان الخليفة دعاه فقال ياأبا حنيفة كم يحل للرجل الحر من النساء والحرائر فقال أربع فقال الخليفة اسمعى يا حرة فقال أبو حنيفة على البديهة ياأمير المؤمنين لا يحل لك ألا واحدة فغضب الخليفة وقال الان قلت أربع فقال ياأمير المؤمنين قال الله تبارك وتعالى فأنكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فأن خفتم الا تعدلوا فواحدة فلما سمعتك تقول اسمعى يا حرة عرفت انك لا تعدل لهذا قلت لك لا يحل لك الا واحدة فلما خرج ابو حنيفة بعثت زوجة الخليفة أليه الف دينار وانفذت تشكره وتثنى عليه فلم يقبلها أبو حنيفة وردها وقال لرسول زوجة الخليفة قل لها انا ماتكلمت لاجلك وما تكلمت ألا لاجل الله فأجرى على الله . وكان رضى الله عنه كثير الخوف والصدقة قال الخطيب كان ابوحنيفة أذا أنفق على عياله نفقة تصدق بمثلها واذا أكتسى ثوبا جديدا كسا بقدر ثمنه العلماء وكان اذا وضع بين يديه الطعام ترك منه على الخبز بقدر ما يؤكل ثم يطعمه لانسان فقيرا ولمن فى بيته يحتاج اليه وكان يؤثر رضا ربه على كل شئ ولو أخذته السيوف فى الله لاحتمل وكان دائما يتمثل بهذين البيتين :
عطاء ذى العرش خير من عطائكمو * وفضله واسع يرجى وينتظر
تكدرون العطا منكم بمنتكم * والله يعطى فلا من ولا كدر
وقال محمد بن الحسين الليثى قدمت الكوفة فسألت عن أعبد أهلها فدفعت الى أبى حنيفة ثم قدمتها وأنا شيخ فسئلت عن أفقه اهلها فدفعت الى أبى حنيفة وقال مسعود بن كدام وكان مشتهرا بالزهد والاجتهاد أتيت أبا حنيفة فى مجلسه فرأيته يصلى الغداة ثم يجلس للناس للعلم الى ان يصلى ألظهر ثم يجلس الى العصر فأذا صلى العصر جلس الى المغرب فأذا صلى المغرب جلس الى ان يصلى العشاء ألاخرة فقلت فى نفسى هذا الرجل فى هذا الشغل متى يتفرغ للعبادة لاتعاهدنه الليلة قال فتعاهدته فلما هدأ الناس خرج من المسجد الى بيته فانتصب للصلاة الى أن طلع الفجر لبس ثيابه وخرج الى المسجد ففعل كفعله اليوم الاول فقال لالزمته الى أن يموت أو أموت قال ابن أبى معاذ فبلغنى أن مسعود مات فى مسجد ابى حنيفة فى سجوده . وعن محمد بن الحسن قال حدثنى القاسم بن معن أن أبا حنيفة رضى الله عنه قرأ هذه الاية بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر فلم يزل يرددها ويبكى ويتضرع الى ان طلع الفجر . وقال حفص بن عبد الرحمن كان أبو حنيفة يحي الليل بقراة القرأن فى ركعه ثلاثين سنة . وقال أسد بن عمر وصلى أبو حنيفة رضى الله عنه الفجر بوضؤ العشاء أربعين سنة . وقيل انه ختم القران فى الموضع الذى توفى فيه ستة ألاف مرة . واما وفاته فحدثنا أحمد بن كامل وعبد الباقى بن قانع قالا توفى أبو حنيفة رضى الله عنه ببغداد فى رجب أو شعبان سنة خمسين ومائة وكان قد بلغ سبعين عاما وقيل انه سقى السم فمات رحمه الله تعالى وكان قد صلى عليه قاضى القضاة الحسن بن عمارة فى جمع عظيم . تم ........يتبع بأذن الله تعالى