( وقال ابو غالب رحمه الله ) كنت أختلف الى أبى أمامه بالشأم فدخلت على مريض من جيرانه وهو يعاتبخ ويقول له ياظالما نفسه ألم امرك ألم أنهك فقال الفتى ياعماه لو أن الله تعالى دفعنى الى والدتى وجعل امرى اليها ما كانت صانعة بى قال تدخلك الجنة قال فأن الله تعالى أرحم بى من والدتى ثم قبض الفتى فدخل معه عمه القبر يلحده فلما سواه صاح وفزع فقلت له مالك قال فسح له فى قبره وملئ نورا . ( وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه ) قال قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم سبى فأذا امراة من السبى تسعى وقد وجدت صبيا فى السبى فأخذته وألصقته ببطنها وأرضعته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أترون هذه المرأة طارحة ولدها فى النار قلنا لا والله فقال الهه أرحم بعبادة من هذه المرأة بولدها . رواه البخارى ومسلم رضى الله عنهما . أخوانى اذا كان الحق سبحانه وتعالى أرحم بالعبد من أمه فكيف لا يقبل العبد على طاعته ويقلع عن معصيته ويقدم بين يديه ما يعود نفعه عليه وقد قال سبحانه وتعالى فى كتابه العزيز " وما تقدموا لا نفسكم من خير تجدوه عند الله " صدق الله العظيم
( وقال بكر بن سليم الصواف رحمه الله ) دخلنا على مالك بن أنس رضى الله عنه فى العشية التى قبض فيها فقلنا له ياأبا عبدالله كيف تجدك قال لا أدرى ما أقول لكم الا انكم ستعيانون من لطف الله وعفوه ما لم يكن لكم فى حساب فما برحنا من عنده حتى غمضناه . ( وقيل ) ان الله تعالى ألطف وأرحم ما يكون بعبده أذا انزل فى لحده ووضع خشن التراب على لين خده وجفاه من كان يرغب فى قربه ووده فأذا وضع الميت على المغتسل اولا وجرد من ثيابه وأيس من أحبابه فينادى وأسوأتاه وافضحيتاه ولا يسمع ندأه غير مولاه فيجيبه الحق سبحانه وتعالى ويقول عبدى أنا سترتك فى الدنيا وأنا أسترك فى الآخرة فاذا أخرج الميت من الدار وحمل على النعش فأنه يصيح واغربتاه فيقول الله سبحانه وتعالى ياعبدى ان كنت اليوم غريبا فأنى منك لا زلت قريبا يا عبدى لا تخف فأنى مقيل عثرتك وراحم غربتك ومؤنس وحدتك . فأذا انزله فى لحده ووضعوا على خشن التراب لين خده ثم تركوه وانصرفوا ومضوا عنه وانحرفوا فيصيح وواحدتاه فيناديه الرب الكريم الرؤف الرحيم عبدى هل تستوحش وانا أنيسك هل تشتكى الوحده وأنا جليسك يا عبدى ألست بريك فيقول بلى يارب فيقول ياعبدى كيف تركت ماأمرتك به وتبعت ما نهيتك عنه أما علمت ان مرجعك ألى وأعمالك معروضة بين يدى أنسيت عهدى أم أنكرت وعيدى ووعدى فالآن تخلى عنك الصاحب والصديق وتجردت من المال الوثيق فلا المال نفعك فى مألك ولا الصديق خلصك من قبيح أعمالك فما حجتك وما معذرتك فيقول يارب احتوى على قلبى حب الدنيا وحب المال فحملانى على الذنوب والاثقال وهاأنا قد صرت فى جوارك وانا الليلة ضيفك فلا تعذبنى بنارك وان لم ترحمنى فمن يرحمنى فيقول الله تعالى يا عبدى مضوا عنك وتركوك ولو أقاموا عندك ما نفعوك والى بابى وجهوك وعلى كرمى خلفوك يا عبدى طب نفسا وقر عينا فأنت الليلة ضيفى وأكريم لا يخيب ضيفه يا ملائكتى أحسنوا فى ضيافته وكونوا عليه أشفق من أهله وقرابته .
تولى العمر وأقترب الرحيل * وزادى للتقى زاد قليل * وفى لحدى اذا حان النزول
فهنونى أحبائى وقولوا * لك البشرى قدمت على كريم
يستكمل بمشيئة الله تعالى